9 أكتوبر 2024 | الهجرة واللجوء

غالبا ما تكون المواجهة بين الاحتلال -أي احتلال- وبين المقاومة -أي مقاومة- غير متكافئة من ناحية القوة العسكرية، حيث تتفوق جيوش الاحتلال المنظمة ومعداته العسكرية المتطورة وإستراتيجياته المتقدمة على المقاومة الشعبية الضعيفة التسليح والإعداد مقارنة بالمحتل.

وعليه، لا يكون هدف المقاومة على الأرجح إلحاق الهزيمة بعدوها بالضربة القاضية بقدر ما تهدف إلى إلحاق الضرر به مرة بعد مرة، بشكل يرفع تكلفة استمرار الاحتلال على المدى الطويل.

اقرأ أيضا
list of 2 items
list 1 of 2
“خاوة”.. العالم كما يراه يحيى السنوار
list 2 of 2
هكذا فعلها الفيتناميون.. كيف نفهم النصر والهزيمة في حرب غزة؟
end of list
وبعبارة أوضح تهدف المقاومة إلى إشعار الاحتلال بأن بقاءه أكثر تكلفة بكثير من جلائه، وأنه ما من سبيل لإجهاض جذوة التمرد والمقاومة نهائيا والعيش بسلام فوق الأرض المغتصبة.

وتستغرق هذه المهمة في الأغلب أجيالا لتحقيقها، ويذهب في سبيلها عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الشهداء.

وفي هذا الموقف تستفيد المقاومة من حقيقة أن قدرتها على تحمّل التضحيات والأضرار أكبر بكثير من قدرة المحتل الذي يَعِد أبناءه برغد العيش، ثم يفشل في الوفاء بوعده مرة بعد مرة.

وتنطبق هذه التقدمة التأسيسية أكثر ما تنطبق على حالة الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، إذ لا تهدف المقاومة إلى تحقيق نصر سريع وحاسم بقدر ما ترغب في إقناع الاحتلال بأن وجوده مهدد دائما وأن تكلفة بقائه على الأرض ترتفع باستمرار.

ولا تخرج عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن هذا السياق، ففضلا عن الأعداد الكبيرة من القتلى والأسرى من دولة الاحتلال والتداعيات الاقتصادية والسياسية ذات الأثر السلبي الهائل أحدثت العملية موجات من الاضطرابات في المجتمع الإسرائيلي.

إعلان

وكان أبرز تجليات تلك الاضطرابات أن آلاف الإسرائيليين أصبحوا مقتنعين بأن إسرائيل لم تعد ذلك الوطن الآمن الذي وعدهم به مؤسسو دولة الاحتلال الأوائل، وأنه خير لهم أن يحزموا أمتعتهم ويتركوا هذه الأرض عائدين من حيث أتوا.

الفرار بعد الطوفان
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كتب خوان كول أستاذ التاريخ الأميركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ورئيس تحرير موقع “إنفورميد كومنت” المعني بالشؤون الخارجية مقالا جريئا علق فيه على المقترح المثير للجدل الذي قدمه اثنان من المشرعين في دولة الاحتلال الإسرائيلي بأن تستقبل كل دولة في العالم 10 آلاف لاجئ فلسطيني من غزة إذا ما رغب الفلسطينيون في غزة في “الهجرة الطوعية”، وهو المصطلح الذي أطلقه النائبان الإسرائيليان على الهجرة الاضطرارية للفلسطينيين تحت وطأة القصف.

قرر خوان أن يقلب الطاولة في مقاله، مؤكدا أن سكان إسرائيل هم في الحقيقة الذين يحتاجون مثل تلك المقترحات، حيث تظهر استطلاعات الرأي قبل فترة قليلة من عملية طوفان الأقصى أن ثلث الإسرائيليين كانوا يرغبون بالفعل في الهجرة، كما تظهر أيضا أن نصف الجيل الحالي من أصحاب الجنسية الإسرائيلية الذين يعيشون في الخارج ليست لديهم خطط للعودة إلى دولة الاحتلال مرة أخرى.

اشترك في
النشرة البريدية الأسبوعية: سياسة
حصاد سياسي من الجزيرة نت لأهم ملفات المنطقة والعالم.
البريد الالكتروني
اشترك الآن
عند قيامكم بالتسجيل، فهذا يعني موافقتكم على سياسة الخصوصية للشبكة
محمي بخدمة reCAPTCHA
لم يفسر خوان رغبة العديد من أصحاب الجنسية الإسرائيلية في الهجرة من دولة الاحتلال بالأسباب الداخلية المتعلقة بتراجع الديمقراطية في البلاد وصعود تيار أقصى اليمين الديني، وإنما فسر تلك الرغبة المتصاعدة مؤخرا بأنها أيضا “نتاج صدمتهم النفسية نتيجة عقود من محاولة الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وقمعهم، وما ينتج عن هذا القمع من عمليات مقاومة عسكرية مستمرة من الجانب الفلسطيني”.

وبذلك، تجرأ خوان ليقترح على العالم الغربي أن يفتح الباب على مصراعيه لهؤلاء الإسرائيليين الراغبين في الهجرة، وأن يمنحهم جنسيات بلاده فورا ويسمح لهم بالبقاء فيها إلى أجل غير مسمى، بل ربما يقرر منحهم الحق في إنشاء وطن جديد لهم في الغرب، خاصة أن الغرب نفسه هو الذي ساهم قرونا في اضطهاد اليهود، وهو الذي أنتج “المشكلة الفلسطينية”.

ودعا خوان ألمانيا بشكل خاص إلى أن تكفّر عن ذنبها في الماضي، وأن ترفع ما سماها “القيود القاسية” عن هجرة اليهود إليها، والتي تشترط على من يرغبون في الانتقال إليها أن يتقنوا اللغة الألمانية على سبيل المثال.

إعلان

ورجّح مقال خوان كول أن أعداد أصحاب الجنسية الإسرائيلية الراغبين في الفرار من دولة الاحتلال قد ازداد بعد عملية طوفان الأقصى.

لكن في وقت كتابة المقال لم تكن الأمور قد اتضحت بعد حتى بدأت الأرقام تظهر رويدا رويدا بعد ذلك، فقبل بداية عام 2024 نشرت مجلة زمان الإسرائيلية بناء على ما قالت إنها معلومات صادرة عن هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية أن 470 ألف إسرائيلي هاجروا بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، وليس معلوما ما إذا كانوا سيعودون إلى البلاد أم لا، علما بأن هذه الأرقام لم تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب.

وأظهرت الأرقام المبكرة أيضا أن عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل قد انخفض مع الشهر الأول بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023 بنسبة 50% مقارنة ببداية العام، ثم انخفض العدد بنسبة 70% في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إذ هاجر فقط ألفا شخص إلى إسرائيل بين بداية أكتوبر/تشرين الأول ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني.